فصل: الحديث العشْرُونَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّامِن عشر:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا تعدل ألف صَلَاة فِي غَيره، وَصَلَاة فِي إيلياء تعدل صَلَاة فِي غَيره، وَصَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام تعدل مائَة ألف صَلَاة فِي غَيره».
هَذَا الحَدِيث كَذَا ذكره الْغَزالِيّ فِي وسيطه وَلَا نعلم هَذَا فِي حَدِيث وَاحِد. وَكَذَا قَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْوَسِيط أَن الْغَزالِيّ سَاقه مساق حَدِيث وَاحِد، قَالَ: وَهُوَ هَكَذَا بِتَمَامِهِ غير ثَابت- فِيمَا أعلم- أما الصَّلَاة فِي مَسْجِد الْمَدِينَة فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ من الْمَسَاجِد إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام». وَفِي صَحِيح مُسلم من ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام». وَفِي رِوَايَة لِابْنِ عبد الْبر: «صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من ألف صَلَاة فِي غَيره إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام؛ فَإِنَّهُ أفضل مِنْهُ بِمِائَة صَلَاة». وَرَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث جَابر بِلَفْظ مُسلم، وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث مَيْمُونَة بنت الْحَارِث مثل حَدِيث ابْن عمر.
وَأما الصَّلَاة فِي مَسْجِد إيلياء- وَهُوَ الْبَيْت الْمُقَدّس- فَفِي سنَن ابْن مَاجَه من حَدِيث مَيْمُونَة بنت سعد- وَيُقَال: بنت سعيد- مولاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهَا قَالَت: «قلت: يَا رَسُول الله: أَفْتِنَا فِي بَيت الْمُقَدّس؟ قَالَ: أَرض الْمَحْشَر والمنشر، ائتوه فصلوا فِيهِ؛ فَإِن صَلَاة فِيهِ كألف صَلَاة فِي غَيره. قلت: أَرَأَيْت إِن لم أستطع أَن أحمل إِلَيْهِ؟ قَالَ: فتهدى إِلَيْهِ زيتًا يسرج فِيهِ. وَلم يذكر فضل الصَّلَاة».
وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب بِلَفْظ: «سَأَلت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بَيت الْمُقَدّس، قَالَ: نعم السكن بَيت الْمُقَدّس، وَمن صَلَّى فِيهِ صَلَاة بِأَلف صَلَاة فِيمَا سواهُ وَقَالَت: فَمن لم يطق ذَلِك؟ قَالَ: فليهد لَهُ زيتًا». وَفِي سنَن ابْن مَاجَه و«كنى الْحَاكِم أبي أَحْمد» من حَدِيث أنس بن مَالك عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «صَلَاة الرجل فِي بَيته بِصَلَاة، وَصلَاته فِي مَسْجِد الْقَبَائِل بِخمْس وَعشْرين صَلَاة، وَصلَاته فِي الْمَسْجِد الَّذِي يجمع فِيهِ بِخَمْسِمِائَة صَلَاة، وَصلَاته فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى بِخَمْسِينَ ألف صَلَاة، وَصلَاته فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بِمِائَة ألف صَلَاة، وَصَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا بِخَمْسِينَ ألف صَلَاة».
وَرَوَاهُ الْخَطِيب فِي تلخيصه بِلَفْظ: «صَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بِمِائَة ألف صَلَاة، وَالصَّلَاة فِي مَسْجِدي بِخَمْسِينَ صَلَاة، وَالصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الَّذِي تجمع فِيهِ الْجُمُعَة بِخمْس وَعشْرين ألف صَلَاة، وَالصَّلَاة فِي مَسْجِد الْقَبَائِل بِخمْس وَعشْرين ألف صَلَاة» وَرَوَاهُ فِي غير هَذَا الْكتاب بِلَفْظ: «وَصَلَاة فِي مَسْجِد الْقَبَائِل بست وَعشْرين ألف صَلَاة» وَفِي إِسْنَاده رُزَيْق- بِتَقْدِيم الرَّاء الْمُهْملَة- الْأَلْهَانِي. قَالَ أَبُو زرْعَة: فَلَا بَأْس بِهِ. نَقله عَنهُ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي مُقْتَصرا، وَقَالَ ابْن حبَان فِيمَا نَقله عَنهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الضُّعَفَاء: ينْفَرد بالأشياء الَّتِي لَا تشبه حَدِيث الْأَثْبَات لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِلَّا عِنْد الْوِفَاق.
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح.
وَقَالَ الْخَطِيب: رُزَيْق هَذَا فِي عداد المجهولين.
قلت: وَرَأَيْت ابْن حبَان ذكره فِي ثقاته والراوي عَن رُزَيْق لَا يعرف، وَهُوَ أَبُو الْخطاب حَمَّاد. قَالَ الذَّهَبِيّ فِي مِيزَانه: لَيْسَ بالمشهور. وَوَقع فِي كَلَام ابْن بدر الْموصِلِي الْحَنَفِيّ أَمر غَرِيب، فَقَالَ فِي كِتَابه الْمُسَمَّى «بالمغني عَن الْحِفْظ وَالْكتاب بقَوْلهمْ لم يَصح شَيْء فِي هَذَا الْبَاب»: بَاب فَضَائِل بَيت الْمُقَدّس والصخرة وعسقلان وقزوين. ثمَّ قَالَ: لَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب شَيْء عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم غير ثَلَاث أَحَادِيث فِي بَيت الْمُقَدّس:
أَحدهَا: «لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاث مَسَاجِد».
ثَانِيهَا: «أَنه سُئِلَ عَن أول بَيت وضع فِي الأَرْض، فَقَالَ: الْمَسْجِد الْحَرَام. ثمَّ قيل: مَاذَا؟ قَالَ: الْمَسْجِد الْأَقْصَى. قيل: كم بَينهمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ عَاما».
ثَالِثهَا: «إِن الصَّلَاة تعدل فِيهِ سَبْعمِائة صَلَاة». كَذَا قَالَ، وَفِي الثَّالِث، وَفِيه: بل لَا أعلمهُ ورد عوضا عَن صِحَة. وَفِي علل الدَّارَقُطْنِيّ عَن عبد الله بن الصَّامِت، عَن أبي ذَر مَرْفُوعا: «صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من أَربع صلوَات فِي بَيت الْمُقَدّس» وَكَذَا اخْتِلَافا فِي إِسْنَاده، وَرَوَاهُ الْحَاكِم كَذَلِك، وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد، وَمُقْتَضَى هَذَا أَن تكون الصَّلَاة فِي بَيت الْمُقَدّس بمائتين وَخمسين صَلَاة. وَرَوَى ابْن عدي فِي كَامِله من حَدِيث يَحْيَى بن أبي حَيَّة، عَن عُثْمَان بن الْأسود، عَن مُجَاهِد، عَن جَابر مَرْفُوعا: «الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بِمِائَة ألف صَلَاة، وَالصَّلَاة فِي مَسْجِدي بِأَلف صَلَاة، وَفِي مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس خَمْسمِائَة صَلَاة».
وَقد افْتَرَقت أَقْوَال الْأَئِمَّة فِي يَحْيَى هَذَا فِي الصَّلَاة وَأما الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فقد تقدم فِيهِ حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَابْن عمر ومَيْمُونَة، وَرَوَى الإِمَام أَحْمد وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن عبد الله بن الزبير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ من الْمَسَاجِد إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام، وَصَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من مائَة صَلَاة فِي مَسْجِدي».
وَرَوَى الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من رِوَايَة أبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا: «الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بِمِائَة ألف صَلَاة، وَالصَّلَاة فِي مَسْجِدي بِأَلف صَلَاة، وَالصَّلَاة فِي بَيت الْمُقَدّس خَمْسمِائَة صَلَاة» وَسَنَده مُحْتَمل وَفِيه عَن عطاف بن خَالِد، عَن عُثْمَان بن عبد الله بن الأرقم، عَن جده الأرقم مَرْفُوعا: «صَلَاة هُنَا خير من ألف صَلَاة ثمَّ». يَعْنِي: مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس. قَالَ ابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد هَذَا حَدِيث ثَابت لَا مطْعن لأحد فِيهِ. قَالَ الرَّافِعِيّ: قَالَ الْأَمَام: كَانَ شَيْخي يَقُول: لَو نذر صَلَاة فِي الْكَعْبَة فَصَلى فِي أَطْرَاف الْمَسْجِد الْحَرَام خرج عَن النّذر، وَإِن الزِّيَادَة الَّتِي رويت فِي الحَدِيث السَّابِق- يَعْنِي: الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ أَولا أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «وَصَلَاة فِي الْكَعْبَة تعدل مائَة ألف صَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام». لم يصححها الْأَثْبَات؛ فَلَا تعويل عَلَيْهَا وَالْعلم عِنْد الله. انْتَهَى.
وَهَذِه الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة غَرِيبَة جدًّا وبعيدة أَيْضا، نعم فِي سنَن النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ من الْمَسَاجِد إِلَّا الْكَعْبَة» وَفِيه أَيْضا من حَدِيث مَيْمُونَة مَرْفُوعا «صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ من الْمَسَاجِد إِلَّا الْمَسْجِد الْكَعْبَة».
خَاتِمَة: نقل ابْن دحْيَة فِي كتاب التَّنْوِير فِي مولد السراج الْمُنِير أَنه حسب الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام عَلَى رِوَايَة ابْن عمر وَابْن الزبير، فبلغت صَلَاة وَاحِدَة فِيهِ عمر خمس وَخمسين سنة وَسِتَّة أشهر وَعشْرين لَيْلَة، وَصَلَاة يَوْم وَلَيْلَة فِيهِ مِائَتي وَسبع وَسبعين سنة وَتِسْعَة أشهر وَعشر لَيَال، وَهَذَا قد سبقه بِهِ أَبُو بكر النقاش؛ فَإِنَّهُ لما رَوَى عَن أَحْمد بن فياض، ثَنَا أَبُو أَحْمد أَخُو الإِمَام، ثَنَا عبد الله بن عَمْرو، عَن عبد الْكَرِيم، عَن عَطاء، عَن جَابر- رَفعه-: «صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من ألف فِيمَا سواهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام، وَصَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من مائَة ألف صَلَاة» قَالَ: فَحسب ذَلِك عَلَى هَذِه الرِّوَايَة فَذكر مثله حرفا بِحرف، ذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه فِي الْحَج، وَقَوله: عَن عبد الله بن عَمْرو خطأ، صَوَابه: عبيد الله- بِالتَّصْغِيرِ- وَحَدِيث جَابر هَذَا أخرجه أَحْمد فِي الْمسند بِإِسْنَاد صَحِيح، فَقَالَ أَحْمد: ثَنَا ابْن عبد الْملك، حَدثنَا عبيد الله، عَن عبد الْكَرِيم، عَن عَطاء، عَن جَابر مَرْفُوعا: «صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام، وَصَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من مائَة ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ» وَعبد الْكَرِيم هُوَ ابْن مَالك الْجَزرِي، أحد الثِّقَات.

.الحديث التَّاسِع عشر:

«أَن رجلا نذر أَن ينْحَر إبِلا فِي مَوضِع- سَمَّاهُ- فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل فِيهِ وثن من أوثان الْجَاهِلِيَّة يعبد؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أوف بِنَذْرِك».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم، كل رِجَاله أَئِمَّة، مجمع عَلَى عدالتهم من رِوَايَة ثَابت بَين الضَّحَّاك، قَالَ «نذر رجل عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ينْحَر إبِلا ببوانة، فَأَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي نذرت أَن أنحر إبِلا ببوانة. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل كَانَ فِيهَا وثن من أوثان الْجَاهِلِيَّة يعبد؟ قَالُوا: لَا قَالَ: فَهَل فِيهَا عيد من أعيادهم؟ قَالُوا: لَا. فَقَالَ رَسُول الله: أوف بِنَذْرِك؛ فَإِنَّهُ لَا وَفَاء لنذر فِي مَعْصِيّة الله وَلَا فِيمَا لَا يملكهُ ابْن آدم».
وَرَوَاهُ أَحْمد بِسَنَدِهِ من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن ابْنة كردم، عَن أَبِيهَا «أَنه سَأَلَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي نذرت أَن أنحر ثَلَاثَة من إبلي. فَقَالَ: إِن كَانَ عَلَى جمع من جمع الْجَاهِلِيَّة أَو عَلَى عيد من أعياد الْجَاهِلِيَّة أَو عَلَى وثن من أوثان الْجَاهِلِيَّة فَلَا، وَإِن كَانَ عَلَى غير ذَلِك فَاقْض نذرك. قَالَ: يَا رَسُول الله، إِن عَلَى أم هَذِه الْجَارِيَة مشيًا، أفأمشي، عَنْهَا؟ قَالَ نعم». وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة ابْن عَبَّاس «أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي نذرت أَن أنحر ببوانة؟ فَقَالَ: فِي نَفسك شَيْء من أَمر الْجَاهِلِيَّة؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أوف بِنَذْرِك» وَرَوَاهُ أَيْضا من رِوَايَة مَيْمُونَة بنت كردم الثقفية «أَن أَبَاهَا لَقِي النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وهى رديفة كردم، فَقَالَ: إِنِّي نذرت أَن أنحر ببوانة. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل فِيهَا وثن؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أوف بِنَذْرِك» وإسنادهما حسن.
وَفِي رِوَايَة لأبي نعيم تعْيين المنحور خلاف مَا وَقع فِي مُسْند أَحْمد وَهَذَا لَفظه: «إِنِّي نذرت أَن أذبح عددا من الْغنم. قَالَ: لَا أعلم إِلَّا خمسين شَاة عَلَى رَأس بوانة...» الحَدِيث.
تَنْبِيهَات:
أَحدهَا: ذكر ابْن دحْيَة فِي كتاب الْآيَات الْبَينَات هَذَا الحَدِيث من طَرِيق أَحْمد، وَفِيه زِيَادَة أنكرها، فعقب ذَلِك بِأَن قَالَ: هَذَا حَدِيث بَاطِل بِيَقِين إِذْ لم يَنْقُلهُ أحد من ثِقَات الْمُسلمين. وَهَذَا الْإِطْلَاق لَيْسَ بجيد مِنْهُ.
ثَانِيهَا: بُوانة- بِضَم أَوله وبالنون عَلَى بِنَاء فعالة-: مَوضِع بَين الشَّام وَبَين ديار بني عَامر. كَذَا ضَبطه أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه وَكَذَا الْحَازِمِي؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كتاب الْمُخْتَلف والمؤتلف فِي أَسمَاء الْأَمَاكِن: بوان بِضَم الْبَاء. وَكَذَا النَّوَوِيّ فِي مُخْتَصر المبهمات قَالَ: بوانة، أَولهَا بَاء مُوَحدَة مَضْمُومَة، وَألف ثمَّ نون ثمَّ هَاء. وَحَكَى ابْن الْأَثِير فِي نهايته ثمَّ الْمُنْذِرِيّ فتح الْبَاء أَيْضا.
قَالَ الْجَوْهَرِي فِي صحاحه: وَيُقَال: بوان. بِلَا هَاء، قَالَ ابْن الْأَثِير، ثمَّ الْمُنْذِرِيّ: وبوانة هضبة من وَرَاء يَنْبع قَرْيَة من سَاحل الْبَحْر. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: بوانة أَسْفَل مَكَّة أَسْفَل يَلَمْلَم.
ثَالِثهَا: هَذَا الرجل هُوَ كردم بن سُفْيَان، كَمَا سلف عَن رِوَايَة ابْن ماجة، وَقد نبه عَلَيْهِ الْخَطِيب فِي مبهماته أَيْضا.
رَابِعهَا- وَهُوَ مُهِمّ-: وَهُوَ أَن صَاحب الْمُهَذّب ذكر فِي هَذَا الْموضع من كِتَابه حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده «أَن امْرَأَة قَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي نذرت أَن أذبح مَكَان كَذَا وَكَذَا- مَكَان يذبح فِيهِ أهل الْجَاهِلِيَّة- قَالَ: لصنم؟ قَالَت: لَا. قَالَ: لوثن؟ قَالَت: لَا. قَالَ: أوف بِنَذْرِك» فَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: هَذَا الحَدِيث غَرِيب، وَلَكِن مَعْنَاهُ مَشْهُور من رِوَايَة ثَابت بن الضَّحَّاك. ثمَّ سَاق الحَدِيث السالف، وَهَذَا من أغرب مَا اتّفق لَهُ؛ فَحَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب هَذَا الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه حَدِيث ثَابت فِي كل النّسخ والْأَطْرَاف للمزي وَغَيرهمَا من كتب الْأَحْكَام؛ فَتنبه لذَلِك.

.الحديث العشْرُونَ:

حَدِيث «الرواح فِي السَّاعَة الأولَى فَكَأَنَّمَا قرب بَدَنَة...» الحَدِيث.
وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَقد سلف فِي بَابه.
خَاتِمَة: قَالَ الرَّافِعِيّ- قبل الحَدِيث الثَّانِي عشر-: إِذا نذر صَوْم بعض يَوْم، هَل ينْعَقد نَذره؟ فِيهِ وَجْهَان: أصَحهمَا: الْمَنْع، وَبَنَى الْمُتَوَلِي الْمَسْأَلَة عَلَى أَن المتنفل إِذا نَوى الصَّوْم نَهَارا يكون صَائِما من وَقت النِّيَّة، أَو من ابْتِدَاء النَّهَار، فَإِن قُلْنَا الأول انْعَقَد نَذره، وَإِن قُلْنَا الثَّانِي؛ فَوَجْهَانِ أَحدهَا: لَا، وَثَانِيها: نعم؛ لِأَنَّهُ ورد أَنه نذر بإمساك بعض النَّهَار كَمَا فِي حق من أصبح مُفطرا يَوْم الشَّك ثمَّ بَان أَنه من رَمَضَان. هَذَا آخر مَا ذكره.
وَترْجم الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بَاب من أصبح يَوْم الشَّك لَا يَنْوِي الصَّوْم ثمَّ علم أَنه من رَمَضَان أمسك بَقِيَّة يَوْمه اسْتِدْلَالا بِحَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث رجلا من أسلم إِلَى قومه يَوْم عَاشُورَاء، فَقَالَ: مرهم فليصوموا هَذَا الْيَوْم فَقَالَ: يَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أَرَانِي آتيهم حَتَّى يطعموا! فَقَالَ: من طعم مِنْهُم فليصم بَقِيَّة يَوْمه» رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَرَوَاهُ مُسلم من وَجه آخر عَن يزِيد. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ فِي الحَدِيث «أَنه أَمر بِالْقضَاءِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن مسلمة عَن عَمه «أَن أسلم أَتَت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم عَاشُورَاء، فَقَالَ: صمتم يومكم هَذَا؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَأتمُّوا بَقِيَّة يومكم واقضوه» هَذَا مَا ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي هَذَا الْبَاب.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن الرّبيع بنت معوذ بن عفراء قَالَت: «أرسل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم غَدَاة عَاشُورَاء إِلَى قرَى الْأَنْصَار الَّتِي حول الْمَدِينَة: من كَانَ أصبح صَائِما فليتم صَوْمه، وَمن كَانَ أصبح مُفطرا فليتم بَقِيَّة يَوْمه. وَكُنَّا بعد ذَلِك نصومه ونصوم صبياننا الصغار».
قَالَ الطَّحَاوِيّ فِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل عَلَى أَنه من تعين عَلَيْهِ صَوْم يَوْم وَلم يُنَوّه لَيْلًا أَن يُجزئهُ نَهَارا قبل الزَّوَال. وَفِيمَا ذكره نظر.

.كتاب الْقَضَاء:

كتاب الْقَضَاء:
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فَأَرْبَعَة عشر حَدِيثا:

.الحديث الأول:

نقل عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «إِذا اجْتهد الْحَاكِم فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر، وَإِن أصَاب فَلهُ أَجْرَانِ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من طَرِيق عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور- قَالَ يَعْنِي: ابْن الْهَاد- فَحدثت بِهَذَا الحَدِيث أَبَا بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم فَقَالَ: هَكَذَا حَدثنِي أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قلت: وَأخرجه من هَذَا الْوَجْه التِّرْمِذِيّ فِي جامعه وَالنَّسَائِيّ فِي سنَنه وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، لَا نعرفه من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ عَن يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ إِلَّا من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن سُفْيَان الثَّوْريّ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر.
قلت: وَلَا يضر تفرده بِهِ؛ لِأَنَّهُ ثِقَة، أحد الْأَعْلَام، وَلَا عِبْرَة بِمن تكلم فِيهِ.
وَقَالَ ابْن حبَان فِي صَحِيحه: مَا رَوَى معمر عَن الثَّوْريّ مُسْندًا غير هَذَا الحَدِيث.
قلت: وَلِلْحَدِيثِ لفظ آخر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو وَعقبَة بن عَامر وَأبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «إِذا اجْتهد الْحَاكِم فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر، وَإِن أصَاب فَلهُ عشرَة أجور». وَرَوَى الْحَاكِم حَدِيث عبد الله بن عَمْرو ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد.
قلت: وَفِيه: فرج بن فضَالة التنوخي ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره، وَقواهُ الإِمَام أَحْمد، وَأخرجه فِي مُسْنده بِدُونِ «فرج» هَذَا، نعم فِيهِ ابْن لَهِيعَة، وَلَفظ رِوَايَته: «فَإِذا اجْتهد وَأَخْطَأ كَانَ لَهُ أجر أَو أَجْرَانِ».
وَأخرجه من حَدِيث عَمْرو بن العَاصِي بِلَفْظ: «إِن أصبت الْقَضَاء فلك عشرَة حَسَنَات وَإِن أَنْت اجتهدت فأخطأت فلك حَسَنَة» وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: «وَإِذا أَخطَأ كَانَ لَهُ أَجْرَانِ».
تَنْبِيه: يحْتَاج إِلَى الْجمع بَين هَذِه الْأَحَادِيث؛ فَإِن ظَاهرهَا الِاخْتِلَاف، وَجمع بَينهمَا الْمَاوَرْدِيّ فِي حاويه بِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه جعل لَهُ أَجْرَيْنِ إِذا وصل إِلَى الصَّوَاب بِأول اجْتِهَاده، وَعشرَة أجور إِذا وصل بتكرار الِاجْتِهَاد وكثرته، وَثَانِيهمَا: أَنه أخبر بِالْحَسَنَة لمضاعفة الْحَسَنَة بِعشْرَة أَمْثَالهَا، وَأخْبر فِي الْأجر أَمريْن من غير مضاعفة؛ لِأَنَّهُ فِي الأَصْل أجر وَفِي المضاعفة عشر. هَذَا لَفظه.

.الحديث الثَّانِي:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «السَّابِقُونَ إِلَى ظلّ الله يَوْم الْقِيَامَة: الَّذين إِذا أعْطوا الْحق قبلوه، وَإِذا سئلوه بذلوه، وَإِذا حكمُوا بَين النَّاس حكمُوا كحكمهم لأَنْفُسِهِمْ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْند عَن حسن وَيَحْيَى بن إِسْحَاق ثَنَا ابْن لَهِيعَة، نَا خَالِد بن أبي عمرَان، عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أَتَدْرُونَ من السَّابِقُونَ إِلَى ظلّ الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم. قَالَ: الَّذين إِذا أعْطوا الْحق قبلوه، وَإِذا سئلوه بذلوه، وحكموا للنَّاس كحكمهم نفسهم» وَرَوَاهُ أَبُو نعيم فِي كِتَابه حلية الْأَوْلِيَاء من هَذَا الْوَجْه سَوَاء، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، تفرد بِهِ ابْن لَهِيعَة عَن خَالِد بن أبي عمرَان، حدث بِهِ أَحْمد بن حَنْبَل فِي مُسْنده رِوَايَته عَن حسن، عَن ابْن لَهِيعَة، وَكَذَا ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي جَامع المسانيد وَرَوَاهُ الإِمَام أَبُو الْعَبَّاس بن الْقَاص- بتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة، من أَصْحَاب الشَّافِعِيَّة- فِي كتاب الْقَضَاء من حَدِيث يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن ابْن زحر، عَن عَلّي بن زيد، عَن الْقَاسِم، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها مَرْفُوعا: «هَل تَدْرُونَ من السَّابِقُونَ إِلَى ظلّ الله يَوْم الْقِيَامَة؟...» فَذكره إِلَّا أَنه قَالَ: «وَإِذا حكمُوا للْمُسلمين حكمُوا كحكمهم لأَنْفُسِهِمْ» بدل مَا ذكر.
وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «المقسطون عِنْد الله عَلَى مَنَابِر من نور عَن يَمِين الرَّحْمَن، وكلتا يَدَيْهِ يَمِين: الَّذين يعدلُونَ فِي حكمهم وأهلهم وَمَا ولوا». قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَن حَدِيث عبد الله بن عَمْرو هَذَا، فَقَالَ: الصَّحِيح أَنه مَوْقُوف.

.الحديث الثَّالِث:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا جلس الْحَاكِم للْحكم بعث الله لَهُ ملكَيْنِ يسددانه ويوفقانه ويرشدانه مَا لم يجر، فَإِذا جَار عرجا وتركاه».
سكت عَنهُ الْبَيْهَقِيّ وَفِي إِسْنَاده: يَحْيَى بن يزِيد بن أبي بردة بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، يكنى أَبَا بردة، وَهُوَ ضَعِيف. قَالَ أَحْمد وَيَحْيَى: وَهُوَ ضَعِيف الحَدِيث. وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: رَوَى أَحَادِيث مُنكرَة. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: واهي الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ أَبُو عَلّي صَالح بن مُحَمَّد الْحَافِظ: هُوَ ضَعِيف الحَدِيث. قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث لَيْسَ لَهُ أصل. قَالَ ابْن جريج: لَا يحْتَمل هَذَا. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان: خبر مُنكر أخرجه البُخَارِيّ- أَي: فِي تَارِيخه- وَهُوَ سَاقِط لِأَنَّهُ من رِوَايَة الْعَلَاء بن عَمْرو الْحَنَفِيّ عَنهُ، والْعَلَاء واه، وَفِي جَامع التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن أبي أَوْفَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «إِن الله مَعَ القَاضِي مَا لم يجر» وَفِي رِوَايَة للبيهقي «فَإِذا جَار تخلى عَنهُ وَلَزِمَه الشَّيْطَان» وَلابْن حبَان مِنْهُ إِلَى قَوْله: «مَا لم يجر» وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: «برِئ الله مِنْهُ وَلَزِمَه الشَّيْطَان». وَفِي رِوَايَة لَهُ وَلابْن مَاجَه: «إِن الله مَعَ القَاضِي مَا لم يجر؛ فَإِذا جَار وَكله إِلَى نَفسه» وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم: «فَإِذا جَار تَبرأ الله مِنْهُ».
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث عمرَان الْقطَّان. وَقَالَ الْحَاكِم: إِسْنَاده صَحِيح.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ ابْن صاعد: رَوَاهُ عَمْرو بن عَاصِم عَن عمرَان الْقطَّان. فَلم يذكر فِي إِسْنَاده حُسَيْنًا- يَعْنِي: الْمعلم.
وَفِي المعجم الْكَبِير للطبراني من حَدِيث عَنْبَسَة بن سعيد، عَن حَمَّاد مولَى بني أُميَّة، عَن جنَاح مولَى الْوَلِيد، عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع مَرْفُوعا: «مَا من مُسلم ولي من أَمر الْمُسلمين شَيْئا إِلَّا بعث الله إِلَيْهِ ملكَيْنِ يسددانه مَا نَوى الْحق؛ فَإِذا نَوى الْجور عَلَى عمله كلأه إِلَى نَفسه».

.الحديث الرَّابِع:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث عليًّا- كرم الله وَجهه- إِلَى الْيمن قَاضِيا، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، بعثتني أَقْْضِي بَينهم وَأَنا شَاب لَا أَدْرِي مَا الْقَضَاء! قَالَ: فَضرب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَدْرِي وَقَالَ: اللَّهُمَّ اهده وَثَبت لِسَانه. فوالذي فلق الْحبَّة مَا شَككت فِي قَضَاء بَين اثْنَيْنِ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث شريك عَن سماك بن حَرْب، عَن حَنش، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن قَاضِيا، فَقلت: يَا رَسُول الله، ترسلني وَأَنا حَدِيث السن وَلَا علم لي بِالْقضَاءِ؟ قَالَ: فَقَالَ لي: إِن لله سيهدي قَلْبك وَيثبت لسَانك؛ فَإِذا جلس بَين يَديك خصمان فَلَا تقضين لأَحَدهمَا مَا لم تسمع من الآخر كَمَا سَمِعت من الأول؛ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَن يتَبَيَّن لَك الْقَضَاء. قَالَ: فَمَا زلت قَاضِيا أَو مَا شَككت فِي قَضَاء قطّ».
وحنش هَذَا هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَيُقَال: ابْن ربيعَة، كُوفِي وَثَّقَهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ البُخَارِيّ: يَتَكَلَّمُونَ فِي حَدِيثه. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ عبد الْحق: كَانَ رجلا صَالحا، وَفِي حَدِيثه ضعف.
قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهُوَ من رِوَايَة شريك عَن سماك عَنهُ وَلم يبين ذَلِك عبد الْحق وَسَبقه إِلَى ذَلِك ابْن حزم وَأَنه قَالَ هَذَا خبر سَاقِط لِأَن شَرِيكا مُدَلّس وَسماك ابْن حَرْب يقبل التَّلْقِين، وحنش سَاقِط مطرح، وَرَوَاهُ الْبَزَّار فِي مُسْنده من حَدِيث عَمْرو بن مرّة عَن عبد الله بن سَلمَة، عَن عَلّي قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن، فَقلت: يَا رَسُول الله، بعثتني وَأَنا شَاب وهم كهول، وَلَا علم لي بالْكلَام! فَقَالَ: إِن الله- تبَارك وَتَعَالَى- سيهدي قَلْبك وَيثبت لسَانك. قَالَ: فوَاللَّه مَا تعاييت فِي شَيْء بعد». ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث لَا نعلم رَوَاهُ عَن عَمْرو بن مرّة عَن عبد الله بن سَلِمة عَن عَلّي إِلَّا أَبُو إِسْحَاق، وَلَا عَن أبي إِسْحَاق إِلَّا عَمْرو بن أبي الْمِقْدَام، وَقد رُوِيَ عَن عَلّي من وُجُوه.
قلت: هُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد رَوَاهُ هُوَ بعد ذَلِك من حَدِيث جَارِيَة بن مضرب عَن عَلّي قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن، فَقلت: تبعثني إِلَى قوم هم أسن مني! فَكيف أَقْْضِي بَينهم؟! فَقَالَ: اذْهَبْ، فَإِن الله سيهدي قَلْبك وَيثبت لسَانك» ثمَّ قَالَ هَذَا أحسن أسانيده. وَرَوَاهُ بعد ذَلِك بِنَحْوِ مَا سَاقه أَبُو دَاوُد- أَعنِي من رِوَايَة حَنش.
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي تَرْجَمَة عَلّي، وَابْن مَاجَه فِي هَذَا الْبَاب من حَدِيث أبي البخْترِي، عَن عَلّي قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن، فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي رجل شَاب وَإنَّهُ يرد عَلّي من الْقَضَاء مَا لَا علم لي بِهِ! قَالَ: فَوضع يَده فِي صَدْرِي وَقَالَ: ثَبت الله لِسَانه واهد قلبه. فَمَا شَككت فِي الْقَضَاء أَو فِي فصل بعد هَذَا» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ.
قلت: فِي تَصْحِيحه عوضا عَن كَونه عَلَى شَرطهمَا نظر؛ فَإِنَّهُ مُنْقَطع.
قَالَ شُعْبَة وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو زرْعَة وَالْبَزَّار: أَبُو البخْترِي لم يدْرك عليًّا، وَلم يره. وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا فِي أَوَائِل بَاب الْأَحْكَام من رِوَايَة حَنش الْمَذْكُور فِي رِوَايَة أبي دَاوُد، عَن عَلّي قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن، فَقلت: بعثتني إِلَى قوم ذَوي أَسْنَان وَأَنا حَدِيث السن! قَالَ: إِذا جلس إِلَيْك الخصمان فَلَا تقض لأَحَدهمَا حَتَّى تسمع من الآخر كَمَا سَمِعت من الأول. قَالَ عَلّي: فَمَا زلت قَاضِيا» ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَفِي رِوَايَة عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ «بعث رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن عليًّا فَقَالَ: علمهمْ الشَّرَائِع واقض بَينهم. قَالَ: لَا علم لي بِالْقضَاءِ. فَدفع فِي صَدره، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اهده للْقَضَاء» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث سماك بن حَرْب، عَن حَنش، عَن عَلّي قَالَ: «قَالَ لي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا تقاضى إِلَيْك رجلَانِ فَلَا تقض للْأولِ حَتَّى تسمع كَلَام الآخر، فَسَوف تَدْرِي كَيفَ تقضي. قَالَ عَلّي: فمازلت قَاضِيا بعد».
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَأما ابْن حزم فأعله بسماك كعادته، وَفِي مَرَاسِيل أبي دَاوُد، نَا عبد الله بن مُحَمَّد بن يَحْيَى، نَا مُحَمَّد بن الْمُغيرَة الْمدنِي المَخْزُومِي، نَا سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن عُرْوَة، عَن عبد الله بن عبد الْعَزِيز الْعمريّ قَالَ: «لما اسْتعْمل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عليًّا عَلَى الْيمن دَعَاهُ فَأَوْصَاهُ قَالَ: قَدِّم الوضيع عَلَى الشريف، والضعيف عَلَى الْقوي، وَالرِّجَال عَلَى النِّسَاء».
لم يرمه عبد الْحق بسوى الْإِرْسَال، وَقَالَ ابْن الْقطَّان: فِي إِسْنَاده جمَاعَة لَا يعْرفُونَ. قَالَ: والعمري هُوَ الزَّاهِد، وحاله فِي الحَدِيث مَجْهُولَة، وَلَا أعلم لَهُ رِوَايَة غير هَذِه.